أخبار الموقع

المقصود بالتأويل البشري.

 المقصود بالتأويل البشري.

قال الله تعالى: ( يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلًا (59) ) سورة النساء.

رأي الناس وحُكمهم على شئ في أمور حياتهم هو تأويل بشري، والتأويل البشري دائمًا يكون نسيبًا وليس قاطعًا، لذلك فهو لا يُصيب الحق المُطلق الأمر الذي يُؤدي أحيانًا إلى حدوث نزاع بينهم؛ لذا فالأفضل أن يَرُدوه إلى الله والرسول كي يأتيهم تأويل أحسن مما يأتون به.

قال الله تعالى: (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) الإسراء - الآية 35 .

توضح لنا الآية الكريمة أنَّ التأويل البشري لا يكون في أمور الدين أو كلام الله تعالى لأنَّهم لا يحيطون بالدين أو كلام الله علمًا، ولا يعلمون الغيب ولا يأتيهم علم من عند الله.

قال  الله تعالى: ( هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ مِنۡهُ ءَايَٰتٞ مُّحۡكَمَٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلۡكِتَٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَٰبِهَٰتٞۖ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمۡ زَيۡغٞ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَٰبَهَ مِنۡهُ ٱبۡتِغَآءَ ٱلۡفِتۡنَةِ وَٱبۡتِغَآءَ تَأۡوِيلِهِۦۖ وَمَا يَعۡلَمُ تَأۡوِيلَهُۥٓ إِلَّا ٱللَّهُۗ وَٱلرَّٰسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَاۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ (7) ) سورة آل عمران.

لقد نفت الآية التأويل البشري للقرآن فهو في علم الله وحده يأتينا يوم القيامة وليس في الحياة الدنيا.

من يتبعون ما تشابه منه؛ يبتغون الفتنة ويبتغون تأويله فيحولوه عن معانيه الحقيقية البيِّنة ليفتنوا الناس عن الحق.

وقد وصفهم الله بأنَّ في قلوبهم زَيغ فهم ليسوا من الراسخون في العلم الذين يؤمنون بكل ما أنزله الله تعالى, حتى ما لم يتبينوا منه الحكمة بعد. 

الإيمان لا يعني الدليل المادي على كل قول في القرآن الكريم حتى يؤمن الإنسان أنَّ القرآن من عند الله، بل المؤمن بالله لا يطلب الدليل من الأساس وإلا أصبح ما يأتيه تصديق وليس إيمان!

ولكي نفصل بين جزئين في الآية الكريمة علينا أن نقول ليس حرف الواو دائمًا معناه أنَّ ما بعده يأخذ نفس صفات وحكم ما قبله، وهو ما يسمونه في علم النحو بالعطف.

كذلك لو تطابق ما قبل حرف الواو مع ما بعده؛ ذلك سيؤدي إلى اختلال في معنى الآية لأنَّه لا يجوز أنَّ الله يكون مثل الراسخون في العلم يؤمن بكلامه  أنَّه من عنده (وذلك حسب قاعدة حرف العطف) ! حاشا لله.

 هذا دليل على أنَّ الراسخون في العلم يؤمنون به ولا يعلمون تأويله، فليس لحرف الواو هنا دور في مُطابقة ما قبلها بما بعدها، وإلا سيتغير معنى الآية تمامًا بإخراجها عن مُرادها.

ويُقال في بعض التفاسير أنَّ جملة الراسخون في العلم هي جملة استئنافية (مُنفصلة عما قبلها) وليست معطوفة على ما قبل الواو.

قول الله تعالى: (وَمَا يَعۡلَمُ تَأۡوِيلَهُۥٓ إِلَّا ٱللَّهُۗ) له مراد وهو أن الله وحده يعلم تأويل القرآن بينما قوله سبحانه وتعالى: ( وَٱلرَّٰسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَاۗ) بيَّن أنَّ الراسخون في العلم يؤمنون به أنَّه من عند ربهم والإيمان دليل على أنَّهم لا يعلمون تأويله.

لوقلنا (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم) وتوقفنا لإختل المعنى تمامًا لأنَّ مثل ما قلنا ما سيأتي بعد لفظ (العلم) سينطبق على ما قبل العلم فهل يجوز أن يؤمن الله بكلامه أنَّه من عنده؟ّ! حاشا لله.   

الآية توضح أنَّ الله تعالى وحده هو الذي يعلم تأويل القرآن، بينما الراسخون في العلم في مختلف المجالات الذين يصلون للحقائق المتوافقة مع كلام الله وآياته في القرآن الكريم يؤمنون به أنَّه من عند ربهم. 

الآية الكريمة نفت علم التأويل عن الراسخون في العلم وأثبتت  لهم الإيمان بأنَّ القرآن من عند ربهم، فالإيمان لا يكون إلا بغيب. 

ما سبق ينفي قول البعض بأنَّهم يعلمون تأويل القرآن!

لذلك يؤل الناس في أمور حياتهم النسبية فقط وليست في القرآن الكريم.

قول الله تعالى: ( وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ )من الآية 35سورة الإسراء.

 هو تأويل إلهي في الأمور الحياتية النسبية التي بين الناس للوصول للتأويل الأحسن وتجنب النزاع بينهم.

إنَّ اللهُ يُعَلمُنا كيف نتبادل السلع دون ظلم حتى عن طريق المال، فالإنسان حينما يشتري سلعة فإنَّ التاجر يُأول ثمنها بقيمة مقابلة من المال الذي سيدفعه ثمنًا لها، أي يُعادل ثمنها بمقابل من المال (ذلك تأويل بشري حَوَّلَ قيمة السلعة لقيمة مالية، مثل أن تتحول قيمة المال لهاتف أو العكس)

وحينما نقوم بذلك ولكي نصل إلى أحسن تأويل فإنَّنا نلتزم بشرع الله تعالى لنتبين الحكم الصائب في تأويلنا قدر المستطاع.

التأويل هنا هو سلعة مقابل شيئًا آخر وهو المال وهو تأويل نسبي، مثلًا هل المال الذي سيتم دفعه ثمنًا للسلعة مناسب أم لا؟!

حتى لو تم شراء سلعة مقابل سلعة مماثلة لها، فإنَّ التأويل أيضًا يكون نسبي لأنَّ السعلتين المتبادلتان ليستا على ذات الدرجة في كل شئ فهي أيضًا أمور نسبية.

الفاكهة لو كانت من نفس الشجرة طعم الثمار لن يكون واحدًا بذات الدرجة أو وزن البذور في الثمار لن يكون واحدًا في كل ثمرة! لا بد أنَّ يكون بينهم إختلاف. 

هذا التأويل يرتبط بفعل البشر وتقديرهم للأمور لذلك تأويل الله لهم أحسن تأويلا عند مقارنته بتأويلهم. 

كذللك الميراث لو ترك للبشر لتنازعوا في حكمهم. 

تلك هي النسبية التي تولد النزاع، وقد تولد الظلم لذا علينا إذا تنازعنا في شئ أن نرده إلى الله ورسوله للحصول على تأويل أحسن مما يأتي به البشر.

وهذا كما أوضحنا دليل على عدم جواز تأويل البشر لأمور الدين لأنَّ الدين ومنها تأويل القرآن لا يحتمل النسبية بل لا بد أن يكون بين وقاطع، وهذا لله وحده.

والله أعلم

              إبراهيم محمد حامد 





ليست هناك تعليقات