أخبار الموقع

 الفرق بين التفسير و التأويل 


بعض عُلماء اللغة ربطوا بين التفسير والتأويل ، عندما اعتبروهم بمعنى واحد ، وبعضهم قال أنَّ التفسير هو استخراج المعنى ، بينما التأويل هو الوصول إلى معنى مجازي .

كما اختلف علماء التفسير حول اللفظين ، فمنهم من لم يُفرق بين اللفظين تماماً، مثل : الطبري الذي كان يقول عند تفسير الآيات ( وتأويل قوله تعالى ) ، فذهبوا إلى ما ذهب إليه عُلماء اللغة .

أما من يتصيدون الأخطاء ، فلم يقفوا بعيداً ، ولم ينتظروا ، فخاضوا في الحديث ، وادعوا بالباطل أنَّ القرآن يتعارض بعضه مع بعض ! فأشاروا إلى الآيات المُتشابهة في القرآن ، وقالوا كيف يقول الله أنه كلام بيِّن ، وفى ذات الوقت يقول لا يعلم تأويله إلَّا الله ؟ . 

لقد حدث ذلك عندما خلطوا بين التفسير والتأويل ، في حين أن كل لفظ يُؤدي إلى معنى خاص به .

فعند تدبر لفظ ( التفسير ) سنرى أنه الأسلوب المناسب لمعرفة الآيات المتشابهة ، والتفريق بين معانيها بدقة كبيرة .

 في الوقت نفسه سنكتشف أنَّ التفسير لا يعني التأويل ، لأنه سيتبين لنا أنَّ التأويل هو تحويل المعنى الظاهر إلى معنى باطن لم تذكره الآيات . 

 قال الله تعالي (وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا ﴿33﴾   سورة الفرقان 

 يتضح من لفظ ( تفسير ) الذي تم ذكره في الآية للمرة الوحيدة في القرآن ، أنَّ تفسير الله أحسن بياناً وتركيباً للمعانى الكلية في الآيات القرآنية ، فبجانب أنه القول الحق ، فهو أحسن بياناً ووضوحاً ومنطقيةً من أمثلتهم ، التي ضربوها لرسول الله عليه الصلاة والسلام  ليُشككوه في الحق . 

وهذا بدوره يصل بنا إلى معنى التفسير، إنه تدبر واستنباط المعاني كما هي دون زيادة أو نقصان ، دون أهواء ، أو حتى ادعاء أحد  امتلاكه علم التأويل ، الذي يُخرج المعنى الظاهرعن معناه الحقيقي .

قال الله تعالي ( إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ﴿4﴾ سورة يوسف . 

تلك رؤية يوسف ، قد جاء تأويلها عندما جاء يعقوب عليه السلام وأهله إلى مصر ، وسيأتي ذكر تأويلها فيما بعد .  

قال سبحانه ( وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ ۖ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا ۖ وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ ۖ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴿36﴾   سورة يوسف .  

عندما قالا  ( نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ ) بدأت الآيات في اتجاه يوضح أنَّ صاحبي السجن ، قطعاً لم يتوقعا بماذا سيُنبئهما يوسف عليه السلام من تأويل ، إنَّه علماً مجهولاً بالنسبة لهما بكل تفاصيله .

ونلاحظ أنَّ عند ذكر لفظ ( التأويل ) تم ذكر لفظ ( نبأ ) ،  والنبأ هو العلم الذي يأتي دون مقدمات ، فلا يمكن لأنسان أن يتوقعه ، أو يدَّعي أحداً أنَّه يتوقعه .

وقال الله تعالى  ( قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ۚ ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي ۚ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ﴿37﴾  سورة يوسف . 

إنَّه الترتيب الالهي للأحداث ، فقبل أن يبدأ يوسف في تأويل الرؤيتين ، أراد أنَّ يُزيل أي شبهة شك لدي صاحبي السجن ، 

بل ولدينا نحن أيضاً ، حين أشار يوسف عليه السلام ، إلى أنَّ ما سيأتيهما من تأويل ، هو ممّا علمه ربه (  ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي )  فلم ينسبه لنفسه ،أو يدَّعي أنَّه من اجتهاده ، كما لم يصف تأويله  للرؤيتين بأنه تفسير ، وهذا دليل على دقة الألفاظ ، ومعانيها في القرآن .

وعندما بدأ يوسف عليه السلام في تأويل الرؤيتين نتذكر قول الله تعالى (  وَكَذَٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَىٰ أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴿6﴾  سورة يوسف لنعلم أنَّ تأويل يوسف عليه السلام للرؤيتين ، هو علم من الله وليس حسب رؤيته هو .

  قال سيدنا يوسف لصاحبي السجن ( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا ) وقال للآخر ( وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ ۚ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ﴿41﴾  ذلك تأويل يوسفُ عليه السلام للرؤيتين ، لقد أتى بمعاني باطنة لم تذكرها الآية ، وكان تأويله حق ، لأنه كان علماً من الله تعالى ، وليس مجرد اجتهاد من نفسه .

قال تعالي ( وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴿100﴾ سورة يوسف .

 لقد بيَّن يوسف عليه السلام مرة أخرى معنى التأويل ، عندما نقل المعنى الظاهر ، الذي تمثل في رؤيته لاحدى عشر كوكباّ ، والشمس والقمر له ساجدين ، إلى معنى باطن تحقق في تلك اللحظة من سجود اخوته له ، دليلاً على خضوعهم للحق الذي تبيَّن لهم ، بعد ما مرَّ من أحداث .

يتضح لنا من تفسير الآيات ، أنَّ تأويل سيدنا يوسف للرؤى ، قد حوَّلَ المعاني الظاهرة ، إلى معاني باطنة ، لم تدل عليها الآيات في ظاهر كلماتها، إنما كان علماً من الله ، آتاه يوسفَ عليه السلام.


  وننتقل إلى قصة موسي ، والعبدُ الصالح ، الذى آتاه الله من لدنه علماً .

سورة الكهف الآيات من 64 الي 82

(فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ﴿65﴾ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴿66﴾ قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴿67﴾ وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ﴿68﴾ قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ﴿69﴾ قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا ﴿70﴾ فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا ۖ قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا ﴿71﴾ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴿72﴾ قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا ﴿73﴾ فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا ﴿74﴾

قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴿75﴾ قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي ۖ قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا ﴿76﴾ فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ ۖ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا ﴿77﴾ قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ﴿78﴾ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ﴿79﴾ وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ﴿80﴾ فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ﴿81﴾ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ﴿82﴾

الآيات الكريمة تتحدث عن التأويل ، الذي ربطته بالنبأ لأنه علم غيب من عند الله ، لن يتوقعه موسى عليه السلام ، فكان بالنسبة له نبأ .

موسى عليه السلام كانت ردة فعله ، ودهشته على ظاهر المعنى من الأحداث ، التي بدت أنها تعارضت مع علمه الظاهر، ولم يخطر بباله الأسباب الباطنة الحقيقية لما حدث .

 حتى أنبأه العبدُ الصالح بما أتاه الله من علم ، قال ( قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ﴿78﴾ ، فنبأه بما حدث مؤكداً أنَّه علماً من لدن الله سبحانه وتعالى ، لا يقدر على تقديره بشر فقال ( وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ﴿82﴾ . 

إنَّه تأويل من عند الله ، نقل المعاني الظاهرة إلى معاني باطنة فكانت حق .

ولنا في قصة موسى عليه السلام عبرة لمن يظن أنَّ التأويل في مقدور البشر في أي وقت .

موسى نبي الله ، ومع ذلك لم يكن قادراً على استكشاف حقيقة ما كان يحدث أمامه من العبدُ الصالح .

 ظلَ موسى عليه السلام في دهشته ، وكلما مر بحدث يتناقض مع علمه الظاهر تزداد حيرته ، لدرجة أنه كان ينسى في كل مرة  وعده للعبدُ الصالح بألا يسأله مرة أخرى عما يفعل .

 ولكن موسى ببشريته وعلمه ، لا يستطيع صبراً حتى يأتيه نبأ ما يرى من أحداث لا تتوافق مع علمه البشري الظاهر . 

إنها حكمة من الله ، ألَّا نحكم على أفعال الله بعلمنا المحدود ولا نستعجل تأويل كل ما نعجز عن تفسيره في الحياة الدنيا فموعدنا يوم القيامة ، حيث يأتينا تأويل كل ما لم نستطع عليه صبراً ، مثل : موسى عليه السلام . 

 لم يستطع موسى نبي الله أن يؤول الاحداث التي رآها على ظاهرها ، وأثارت دهشته  . 

إن موسى المرسل من الله لم يرى الأحداث على حقيقتها الباطنة ، التى يعلمها الله وحده ، حتى أنبأه العبدُ الصالح الذي آتاه الله علماً بحقيقة ما حدث .

 فكيف يتسنى لنا تأويل علم الله بأنفسنا ، ثم ندعي أنَّه الحق الذي أراده اللهُ تعالى ، من أين لنا هذا ؟!

مع ازدياد العلم البشرى ، فإنًّ تفسير القرآن لن يتوقف حتى تقوم الساعة ، وهذا يجعلنا نُفرق بين التفسير، والتأويل ، فالتأويل هو ضياع للتفسير الحقيقي لآيات القرآن المتشابهة فقد أكَّدَ اللهُ سبحانه وتعالي أنًّ تأويله سيأتي يوم القيامة ، فلا يدعي بشراً أنَّه يُؤول كلام الله ظناً منه أنَّه تفسير ، أو نقل المعني الظاهر إلى معنى مجازي . 

وأكثر ما يتعرض للتأويل في القرآن هو المتشابه .

 والمتشابه في القرآن هو الآيات التي تتشابه مع بعضها البعض ، ولكن مع وجود اختلاف بسيط في الألفاظ ، فتبدوا وكأنها تعطي معنى واحد .

أو تشابه لفظ ، مرة يُنسب إلى الله تعالى ، ومرة يُنسب إلى الإنسان ، مثل : لفظ ( يَدّ ) قال الله تعالى ( إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ يَدُ ٱللَّهِ فَوۡقَ أَيۡدِيهِمۡۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ أَوۡفَىٰ بِمَا عَٰهَدَ عَلَيۡهُ ٱللَّهَ فَسَيُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمٗا ١٠ ) سورة الفتح 

 إنَّها من المتشابهات التي فسرها بعض العلماء على ظاهرها ، والبعض الآخر قام بتأويلها لتُعطي معنى مجازي .  

ومن أبرز المتشابه في القرآن ، الذي اختلف العلماء في تفسيره ، قول الله تعالي  (وُجُوهٞ يَوۡمَئِذٖ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٞ (23)  سورة القيامة .

فالبعض تمسَّك بما يظن أنَّه ظاهر القول ، والبعض الأخر ذهب إلى معنى مجازي عن طريق التأويل ، كي ينزه اللهَ عن رؤيتنا له سبحانه بالبصر .

وكلاهما نظن أنهما ليسوا على صواب ، وسنتبين ذلك عند الحديث عن النظر والبصر ، وكيفية رؤية الله في الآخرة .

ونعود إلى الحديث عن التأويل ، قال الله تعالي ( بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۖ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ﴿39 ) سورة يونس

لأنهم لم يُحيطوا بعلمه ، فلن يَصلوا لتأويله بانفسهم ، بل سيأتيهم تأويله من عند الله . 

قال الله تعالي ( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ ۚ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ۚ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴿53﴾  سورة الأعراف ،  يوم القيامة سيأتي تأويله فيخسر المفترون ، الذين ادعوا تأويل كلام الله من عند أنفسهم .

وقد قال الله تعالى كتابه (  هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿7﴾) سورة آل عمران .

بينت الآيات أن تأويل المتشابه يعلمه الله وحده ، وسيأتي نبأه يوم القيامة ، بينما الراسخون في العلم  سواء في علوم التفسير ، أوفي علوم الطب ، والفلك والجيولوجيا وغيرها ، سيفسرون معاني الآيات المتشابهة عندما  يشاء  اللهُ على حقيقتها ، وليس عن طريق التأويل كما يَظن البعض .

  الراسخون في العلم ليس كما يظن بعض الناس ، أنهم الذين يقومون بتأويل كلام الله من المتشابه !

هذا غير صحيح ، لأنَّ الآية عندما تحدثت عن الراسخين في العلم ، بينت أنَّهم آمنوا بالفعل أنَّ المُحكم ، والمُتشابه كله من عند الله ، فهم ليسوا في حاجة لمعرفة تأويل المتشابه حتى يصدقوا أنه من عند ربهم ، إنَّهم آمنوا بذلك بقلوبهم سواء ظهر تأويله ، أو لم يظهر.

 ليُبين اللهُ لنا ، أنَّ المؤمن لا ينتظر أن يتأكد من صدق آيات الله ، حتى يؤمن بها ، بل يؤمن بها لأنَّه يؤمن أنَّها من عند الله ، أما  التأويل فهو لله وحده يوم القيامة . 

وعكس الراسخون في العلم ، يأتي الذين في قلوبهم زيغ فيدعون أنَّ المُتشابه هو قول البشر ، ليفتنوا الناس عن دينهم باتباعهم المُتشابه من القرآن الكريم ، فيقومون بتأويل المتشابه في القرآن بعيداً عن معناه الظاهر ، ليضلوا الناس .

 وبعد ما سبق يتبن أنَّ التأويل ، هوعبارة عن نقل المعني الظاهر إلى معنى باطن ، لا يستطيع أحد من  الإنس أو الجن أو الملائكة أن يصل إليه ، إلَّا من اصطفاهم الله من عباده الصالحين  قبل أن يُنَزّلَ الله القران .

وما  في القرآن من متشابه ، فلا يعلم تأويله إلَّا الله وحده . 

أما التفسير  يؤتيه اللهُ لمن أصطفاهم من عباده ، ليُبينوا للناس ما كان غير واضح لهم .

 حتى العلماء في مجال الطب والفلك  والهندسة  وعلوم البحار ، وغير ذلك من المجالات ، يَصلون بإذن الله تعالى إلى تفاسير عن طريق التدبر ، والاسنباط لآيات تبدو معانيها غامضة على الناس ، كل في وقته إلى أن تقوم الساعة . 

 واللهُ تعالى أعلم .  

   

      إبراهيم محمد حامد 





ليست هناك تعليقات