ا الفرق بين كلمتي (معدودة ) و (معدودات) في القرآن الكريم .
لماذا ذكر الله تعالى كلمة ( معدودات ) في بعض الآيات ، وفي آيات أخرى ذكر كلمة ( معدودة ) ؟
فى بعض المعاجم والتفاسير كلمة ( معدودات ) جاءت للمُحدد , و( معدودة ) جاءت لغير المُحدد.
ولكن يبدو لنا أنَّ العكس هو الصحيح , وهذا مُجرد اجتهاد منا يحتمل الصواب , أو الخطأ .
وقبل تدبر الآيات , يبدو للظاهر أنَّ أي لفظ منهما ، يجوز أن يكون مكان الآخر ، ولكن عند تدبر الآيات الكريمة , نكتشف أنَّ لفظ ( معدودات ) يُشير إلى معنى معين لا يناسبه لفظ ( معدودة ) .
قال الله تعالى ( أَيَّامًا مَّعْدُودَٰتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) سورة البقرة الآية 184 .
تم استخدام لفظ ( معدودات ) في الآية الكريمة ، ولم يتم استخدام لفظ ( معدودة ) .
قال سبحانه وتعالى ( وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَٰهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّٰهِدِينَ ) سورة يوسف ألآية 20 .
نلاحظ هنا أنَّ اللفظ قد تغير، حيث تم استخدام كلمة ( معدودة ) بالتاء المربوطة ، وليس ( معدودات ) بالتاء المفتوحة ، فما سبب ذلك التغيير في استخدام اللفظين ؟
من المعروف أنَّ شهر رمضان ، ليس له عدد ثابت من الأيام فقد يكون 29 يوماً ، أو 30 يوماً ، وذلك حسب رؤية الهلال ، لذا فالمسلمون لا يعلمون تحديداً كم سيصومون من الأيام هل 29 أم 30 يوماً ؟
هذا يُبين أن كلمة ( معدودات ) جاءت لتصف عدد الأيام الغير مُحددة ، كما هو الأمر في أيام شهر رمضان قبل أن يبدأ .
ننتقل إلى لفظ ( معدودة ) هل من باعوا يوسف عليه السلام ، لم يعلموا الدراهم التي اتفقوا عليها ثمناً له ؟ هم يعلمون ثمنه قبل أن يبيعوه ، واختلاف اللفظ ( معدودة ) الذي جاء في الآية ، عن كلمة ( معدودات ) التي تم ذكرها لتصف أيام شهر رمضان قبل أن يبدأ ، قد دل على أنَّ كلمة ( معدودة ) هي لوصف العدد الغير محدد .
قال الله تعالى ( وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَٰتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) سورة البقرة الآية 203 . هذا معناه أن الأيام غير محددة بالضبط .
يختلف عدد أيام ذكر الله في الحج فهو يومان لمن تعجل أو أكثر من يومين لمن تأخر، فبات العدد غير ثابت أو مُحدد، لذا تم استخدام لفظ ( معدودات ) بالتاء المفتوحة لتدل على غموض العدد وعدم ثباته أو وضوحه.
قال سبحانه ( ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَٰتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ) آل عمران الآية 24 .
لم يُحددوا عدد أيام العذاب .
وقال تعالى ( وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) سورة البقرة ألآية 80 . دلت الآية أنَّ العذاب له عدد أيام مُحدد حسب زعمهم .
قال الله تعالى ( وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ ) سورة هود الآية 8 . لو أخر اللهُ عنهم العذاب ، فلا شك أنَّ مدة التأخير ستكون عند الله أمة معدودة أي محددة .
( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْءَانُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) سورة البقرة الآية 185 . لماذا جاء لفظ ( فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) لماذا تم ذكر لفظ ( فعدة ) بالتاء المربوطة ، التي تدل على عدد محدد من الأيام ، ولماذا قال سبحانه ( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ) ؟
أليس من أفطر في رمضان لعذر، يعلم عدد الأيام التي أفطر فيها بشكل محدد ؟ فلو أفطر ثلاثة أيام ، فهو يعلم أنهم ثلاثة أيام ، لذلك جاء لفظ ( عدة ) الذي دلَّ على عدد محدد ، وهو الأيام التي أفطر فيها.
( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ) حيث تأتي التكملة بعد نهاية الشهر، الذي أصبح عدد أيامه مُحدد للناس بعد أن انتهى شهر رمضان ، فلو كانت عدة الشهر 30 يوماً ، يصبح قضائه للثلاثة أيام التي أفطر فيها ، هو تكملة لعدد أيام الشهر، الذي صام منه 27 يوماً ، فعند قضائه للثلاثة أيام يكون مجموع ما صامه 30 يوماً ، فتكتمل بذلك عدة الشهر لمن أفطر لعذر.
( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَٰبِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَٰوَٰتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَٰتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَٰتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) سورة التوبة الاية 36 .
الشهور عددها معروف ، لذلك تم التعبير عنه بكلمة ( عدة ) التي تدل على العدد المحدد الذي تعرفه للناس .
(إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِءُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَٰلِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَٰفِرِينَ ) سورة التوبة الآية 37 .
( عدة ) دلت على أنَّ الشهور التي حرمها الله ، قد باتت معلومة للناس ، وهي أربعة أشهر لا تتغير، ولكن بعض الناس يُريدون أن يُغيروا فيها ليُحلوا ما حرم الله .
( يَٰأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَٰتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ) الأحزاب 49 .
لا شك أنَّ عدة المرأة بعد الطلاق لها مدة مُحددة يعلمها الناس ، لكن عند حدوث الطلاق قبل أن يمسوهنَّ ، لا يكون للعدة معنى .
( يَٰأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَٰحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا ) سورة الطلاق الآية 1 .
عند حدوث الطلاق بعد الدخول بهنَّ ، هنا تُصبح العدة أمراً مفروضاً ، لا بد أن يحصوه دون زيادة ، أو نقصان .
وفي النهاية ، ( معدودات) دلت على عدد غير محدد بينما( معدودة ) دلت على عدد مُحدد بالنسبة للناس .
واللهُ أعلم .
إبراهيم محمد حامد
ليست هناك تعليقات